
13يناير
آراء في ريادة الأعمال: متى وأين وكيف نبدأ؟
آراء في ريادة الأعمال: متى وأين وكيف نبدأ؟ عمر عايش أحد أكثر الأسئلة التي وجهت لي في مجال ريادة الأعمال هو: من أين نبدأ؟ وهذا سؤال طبيعي ومهم، نسمع كثيرًا أنه علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وهذه وصفة رائجة للنجاح في شتى المجالات وليس فقط في عالم الأعمال، الذي تشكل فيه البدايات أصعب المراحل على الإطلاق. دراسات عديدة أكدت الأهمية القصوى للبدايات السليمة للمشاريع والشركات الناشئة، وجاءت بنتائج مقلقة حول معدل فشل ال (start-ups) في السنوات الأولى، إذ بيّنت معظم الدراسات أن ما يقرب من ٩٠ بالمائة من الشركات الناشئة تفشل في السنوات الثلاث الأولى، آخرها كانت الدراسة التي أجرتها مؤسسة رأس المال والخدمات التجارية الوطنية في الولايات المتحدة (National Business Capital and Services) عام ٢٠١٩ والتي أكدت النسبة المتعارف عليها من فشل البدايات للشركات الناشئة، إذ جاءت الأرقام كالتالي: فشلت ٢١.٥٪ من الشركات الناشئة في السنة الأولى، و ٣٠٪ في السنة الثانية وخرجت ٥٠٪ منهم من السوق تمامًا في السنة الخامسة. كما هو الحال في باقي المجالات، في عالم الأعمال أيضًا، الأصل أن أبدأ من حيث انتهى الآخرون، وهنا يجب أن أعرف متى وكيف وأين وصل المنافسون الآخرون، حتى أعرف أين موقعي بالضبط من هؤلاء. إذ أرى أن أكبر خطأ يقوم به الرياديون ورجال الأعمال المبتدؤون هو ارتكابهم لنفس الأخطاء التي وقع بها المنافسون، وهذا سببه الاستعجال في الحصول على نتائج والإقدام على المشروع بدون دراسة معمقة لتجارب الآخرين، مما يوقعهم في نفس المشاكل والأخطاء التي وقع بها منافسوهم، مع أن هذا كان من الممكن تفاديه لو تم تدارس التجارب السابقة باهتمام وعمق. يخطئ الرياديون باندفاعهم نحو إطلاق شركاتهم الناشئة دون دراسة جادة، يظن هؤلاء أنهم يضيعون ستة أشهر من عمر مشروعهم عند دراستهم للمنافسين الآخرين مما قد يؤدي إلى إرجاء فترة الإطلاق ومن ثم التأخر في الحصول على نتائج مبكرة وأرباح سريعة. بالعكس تمامًا، أنت بدراستك المركزة لأخطاء المنافسين، فإنك تضيف سنوات طويلة لخبراتك في وقت قصير جدا لا يتجاوز الستة أشهر، بعض الشركات تتجاوز أعمارها (أعني بذلك خبراتها وتجاربها) عشرات السنين. تعريف وتحليل المنافسين في أي مشروع، أيًّا كان نوعه وطبيعته وحجمه، قبل أن أضع أهدافًا قابلة للتحقق، يجب أن أعرف وأفهم جيدًا من هم المنافسين، ولنقل أنّ عندي خمسة من المنافسين الذين يملكون مشاريعًا ناجحة ويقدمون منتجات وخدمات تحمل أفكارًا مشابهة أو حتى قريبة من تلك التي أود المنافسة فيها عبر شركتي المستقبلية، إذا لم أتدارس وأفهم المنافسين بعناية ولم أعرف أين وصل هؤلاء جميعهم، فلن أستطيع المنافسة ولن يكون بمقدوري الإبداع في فكرتي ومشروعي وستكون بدايتي حتمًا بداية خاطئة. لذلك، يجب أن أبدأ مباشرة من النقطة التي انتهى إليها المنافسون الخمسة، فهؤلاء وصلوا إلى نقطة النجاح عبر مسيرة طويلة من النجاحات والإخفاقات. مهمتي أولًا، هي دراسة جميع الإخفاقات، فهي بالنسبة لهم قد تكون إخفاقات، أما بالنسبة لي فهي كنوز وخبرات، واجبي أن أتعلم وأستفيد منها وأحصل عليها بدون عناء تجريبها من جديد. فالنجاح في دراسة أخطاء المنافسين، والقدرة على صياغتها بطريقة تجارب وخبرات، يعادل، حسبما أرى، نصف النجاح للشركات الناشئة. وفي هذا السياق قدم مايكل بورتر في كتابه الشهير: “الاستراتيجية التنافسية: تقنيات لتحليل العملاء والمنافسين،” (Competitive Strategy: Techniques for Analyzing Industries and Competitors) مجموعة من الاستراتيجيات والوسائل المهمة بغرض الوصول لطريقة مثلى لفهم وتحليل المنافسين في السوق، وهي: دراسة احتمالية دخول منافسين جدد لنفس القطاع، حدة المنافسة بين الخصوم، تهديد المنتجات البديلة، القوة التفاوضية للزبائن، والقوة التفاوضية للموردين. أما المرحلة الثانية بعد دراسة الإخفاقات فهي دراسة نقاط القوة عند المنافسين الخمسة ووضعها في منتج واحد وتحويلها إلى استراتيجية لدراستها بشكل جيد وتطويرها، وذلك لفهم أين يتميز المنافسون سواء كان في توفر السيولة العالية، الخدمة المقدمة، المخزون المتوفر أو حتى الموظفين أصحاب الخبرات العالية، وأيضًا دراسة الاستراتيجية والرؤية والأهداف للمنافسين، وقياس الأداء المالي لهم. فهم المزايا ونقاط القوة للمنافسين لا يساعد في وضع الأهداف العامة لشركتك الناشئة فحسب بل يساعد في فهم الحيز المتاح لمشروعك في السوق، ومن ثم معرفة التوقيت الأمثل للإطلاق والمنافسة. أحد الأمثلة الواعدة على الأهمية الكبيرة لاختيار التوقيت الأنسب لإطلاق المشروع هو شركة Airbnb الأمريكية، الذي جاء توقيت إطلاقها عام ٢٠٠٨، في فترة كانت تعاني منها الاقتصادات العالمية وخصوصًا الولايات المتحدة ركودًا اقتصاديًا بعيد الأزمة المالية العالمية. المؤسس براين تشيسكي كان قد تنبه أن معظم المواطنين قد تأثرت دخولهم بسبب الأزمة المالية وبات أكثرهم يبحث عن دخل إضافي ليعوض تراجع الدخل، وبهذا وجد أصحاب العقارات السكنية أن هناك فرصة كبيرة للحصول على دخل إضافي عبر تأجير جزء من المنزل الذي يملكوه. للعلم فقد تجاوزت أرباح الشركة عام ٢٠١٩ أربعة مليارات دولار. المرحلة الثالثة وهي، الأهم على الإطلاق، ماذا بإمكاني أن أضيف على نقاط القوة عند المنافسين الخمسة لأضعها في منتجي الجديد الذي سأقدمه، وهذا هو نصف النجاح الآخر للشركات الناشئة، الذي أسميه عنصر التميز. فالتميز في منتجي الجديد يساوي مجموع (نقاط القوة عند المنافسين الخمسة + الجديد الذي يقدمه مشروعي) للزبون والذي لم يستطع المنافسون جميعهم أن يبدعوا مثله طوال السنوات السابقة، باختصار، حتى يقتنع الزبون أنني جئت بجديد لا يقدمه المنافسون الخمسة. ولضمان نجاح واستدامة أكبر للمشروع الناشئ، فإن التميز أو الميزة التنافسية competitive advantage يجب ألا تكون مقتصرة فقط على المنتج، بل تشمل العنصر التسويقي والذهاب إلى السوق بطرق وأساليب إبداعية لم يتعرف عليها المنافسون بعد، وذلك وصولًا إلى رأي عام داعم ومتشوق للتعرف على المنتج الجديد. اتفقنا أن البدايات يجب أن تكون أكثر تخطيطًا وأعمق دراسة وأوضح رؤية، فالبدايات السليمة وإن كانت تتطلب تعبًا وجهدًا أكبر لكنها حتمًا ستقود إلى نهايات سعيدة ومشاريع أكثر نجاحًا واستدامة.omar ayesh © 2021