استثمار ما بعد كورونا: صعود الرقمنة وفرص النمو في التجارة الإلكترونية
27أكتوبر

استثمار ما بعد كورونا: صعود الرقمنة وفرص النمو في التجارة الإلكترونية

استثمار ما بعد كورونا: صعود الرقمنة وفرص النمو في التجارة الإلكترونية

رجل الأعمال م. عمر عايش

أسابيع قليلة تفصلنا عن الذكرى السنوية الثانية لظهور فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية قبل أن يغزو الفيروس العالم ويتحول إلى وباء قاتل أودى بحياة الملايين. فوباء كورونا لم يرهق الدول والمؤسسات الصحية والحكومية فحسب بل أرهق الاقتصادات الناشئة قبل الكبيرة وأثر بشكل كبير على كثير من المشاريع الريادية التي انطلقت على أسس سليمة وكادت أن تصل السلّمة الأخيرة من النجاح. وفي المقابل، صنع الوباء فرص غير مسبوقة للاستثمار في القطاع الرقمي والتكنولوجي.

أما وقد وصل العلماء، سريعًا، إلى اللقاحات الخاصة بالوباء، وانحسرت سياسات الإغلاق في عدد لا بأس به من دول العالم وبات مبدأ الإغلاق الشامل جزءًا من الماضي، فإن الحديث الآن بات يتركز على وسائل وطرق وقطاعات الاستثمار ما بعد كورونا وكيف سيؤثر عام ونصف أو أكثر من الإغلاقات على شكل التجارة في السنوات أو حتى العقود المقبلة في العالم ككل وعالمنا العربي على وجه الخصوص.

وهذا بالفعل ما حصل وما شهده العالم من تطور كبير لقطاع الاستثمار في التجارة الإلكترونية، حيث تضاعفت معدلات التجارة الإلكترونية مما نسبته واحد بالمائة من حجم التجارة العالمية عام 2019، إلى ما نسبته 5-15٪ فترة وباء كورونا، أضف أنه بدءا من عام 2021 سيعود الاقتصاد العالمي للنمو بنسبة 5% وهو الأسرع المعدل الأسرع منذ خمسين عامًا، حسب تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).

فالذي حصل أن وباء كورونا غيّر وجه العالم وجاء بأسلوب حياة فريد، جعل الناس أكثر انفتاحًا وقابلية للتواصل وإدارة أعمالها والشراء عن بعد، فإن لم يكن للفترة السابقة أي إيجابية، فكفاها أنها فرضت على الإنسان، الذي قاوم التطور الهائل في تكنولوجيا التواصل والتبادل التجاري، القبول والاقتناع به، بل والتسويق له.                                                               

ولهذا، فقد بات على العالم العربي، مواكبة التطور والتوجه العالمي نحو الرقمنة “digitalization” والتجارة الإلكترونية، فرغم الازدهار الذي شهده هذا القطاع في شتى أنحاء العالم، وخصوصًا في العامين الأخيرين، إلا أنه ما زال يشكل ما نسبته اثنان بالمائة فقط من حجم التجارة في العالم العربي، وما زالت ثلاث دول عربية (مصر والسعودية والإمارات) تسيطر على ما نسبته 80٪ من مجموع التجارة الإلكترونية في العالم العربي، حسب تقرير أجرته شركة“Go-Gulf”  والتي مقرها دولة الإمارات.

ولذلك، فإن على الحكومات العربية والشركات وحتى الشباب العربي الطموح، التوجه بشكل أكبر نحو الاستثمار في هذا القطاع الذي يعززه الاهتمام بالتخصصات التكنولوجية والتحول نحو رقمنة مشاريعنا التجارية وغير الربحية، وهذا بالطبع يشمل قطاع الخدمات والاستشارات القانونية والطبية والتعليمية وغيره. فرغم المؤشرات التي تقول أن سوق التجارة الإلكترونية تضاعف أربع مرات في العالم العربي في غضون السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن هذا السوق ما زال في بداياته وقد يأتي الاستثمار فيه بأرقام وعوائد قوية على المدى القريب والبعيد. 

والحكومات العربية أيضًا، أمام مسئولية كبيرة لتعزيز الاستثمار في هذا القطاع، أهمها، صناعة الوعي وبناء الثقة لدى المستهلك، عبر سن القوانين والتشريعات الصارمة التي تحارب الاحتيال والتزوير في المنتجات القادمة عبر السوق الإلكتروني. نظرة سريعة على قصص الاحتيال القادمة من العالم العربي في هذا القطاع، تجد أن الأرقام ما تزال كبيرة في عدد من الدول منها مصر والسعودية والكويت، التي، بحسب دراسة أجراها اتحاد مصارف الكويت ومنصة Visa الرقمية، فإن 23 بالمائة من الكويتيين لم يتلقوا المنتجات التي دفعوا ثمنها إلكترونيًا، و26 بالمائة آخرين وصلتهم سلع مقلدة وغير موافقة للمواصفات المذكورة لحظة الدفع. وهذا يدفع المستهلكين للاهتمام بشكل أكبر بكتابة التغذية الراجعة للمعاملات التي تمت بشكل إلكتروني عبر المنصات المختلفة.  

 وهناك تحدٍّ آخر، وهو توفير البنية التحتية الداعمة لتطوير القطاع التجاري الرقمي، وتسهيل الحصول على الموارد والتمويل اللازم للاستثمار والارتقاء في هذا المجال. فدولة مثل الجزائر، بتعداد سكاني ناهز ال 44 مليون لهذا العام، ما زالت تحتل مراتب متأخرة جدا على مستوى العالم (المركز ال 174 عالميا) في مجال سرعة الإنترنت، وذلك وفقًا للمؤشر العالمي (Speed Test) المختص في مجال تحليل واختبار سرعات الإنترنت. فضلًا عن مشاكل البنية التحتية، وخصوصًا أزمة الكهرباء التي تضرب كلا من لبنان وفلسطين والسودان والعراق حتى الآن. 

‏يحدث هذا رغم أن العالم العربي يوجد فيه طاقات تكنولوجية ضخمة، بإمكانها أن تبهر العالم لو توفرت لها الظروف المناسبة. أذكر أنه في لقاء جمعنا مع جلالة الملكة رانيا، عبرت لها عن قناعتي التامة أن دولة مثل الأردن، تمتلك ميزة تنافسية من حيث عدد الكوادر التكنولوجية المؤهلة، وأن الاقتصاد الأردني ممكن أن يقوم بشكل كبير على قطاع البرمجيات والتكنولوجيا، أو مثل ما يسميه أحد الأصدقاء: التكنولوجيا هي نفط الأردن”. قد يتحقق هذا عبر تركيز الجامعات بشكل أكبر على تخصصات تواكب التحول الحاصل في مجال الرقمنة وتحسين قدرات العنصر البشري المؤهل أصلاً للنهوض بهذا القطاع نحو التنافسية العالمية. ونحن بدورنا في شركة نوبلز العقارية، نشجع الطلاب الذين حصلوا على منح دراسية من قبل الشركة للدراسة في هذا القطاع…،

‏ما أود قوله أن هذا هو الوقت الأنسب للتحول نحو الرقمنة والتجارة الإلكترونية، أيًّا كان المنتج أو القطاع أو الخدمات التي تقدمها الشركة أو المنظمة (ربحية وغير ربحية)، لأننا بالفعل دخلنا مرحلة جديدة وغير مسبوقة في مجال الاستثمار في هذا الجانب، يمكننا القول أن ما قبل كورونا شيء وما بعده شيء آخر، نحن أمام عالم جديد ومختلف تمامًا، ورجل الأعمال الذي يقاوم التحول الحاصل ولا يستوعب هذه المرحلة قد يخسر جمهوره وزبائنه باتجاه المنافسين.

أعتقد أن فرص الاستثمار في قطاع الرقمنة والتجارة الإلكترونية لا تزال كبيرة وكبيرة جدا، ونحن في نوبلز، واتّساقًا مع استراتيجيتنا الهادفة للتحول نحو الرقمنة والاستثمار في قطاع التجارة الإلكترونية، قمنا، في غضون الشهر الماضي فقط، باستثمار ما قيمته عشرة ملايين دولار في أسهم تابعة لقطاعات ومشاريع إلكترونية، كما نمتلك مجموعة الأفكار للتطوير والارتقاء في هذا القطاع.

omar ayesh © 2021