
التعليم كرافد أساس للمسئولية المجتمعية في “نوبلز”
م. عمر عايش
طويلة هي رحلتي في عالم المال والأعمال وأحمد الله دائمًا على ما فيها من إنجازات وأشكره كثيرًا على نعمة التحديات، أو حتى نعمة الإخفاقات، نعم أسميها نعمة، فهي التي شكلت بالنسبة لي دروسًا كثيرة، وصل عدد منها حد القناعات. دروس تعلمت منها على المستوى الشخصيّ وسأسعى دائمًا إلى مشاركتها لتصل إلى أكبر قدر ممكن من المتابعين والقراء، رواد الأعمال الشباب منهم على وجه الخصوص، علّنا نختصر عليهم ببعض الدروس المستفادة سنوات من التجربة والخطأ.
أحد أهم الدروس أو القناعات التي تعلمتها وأمارسها في حياتي على المستوى الشخصي كرجل أعمال وعبر شركة “نوبلز” العقارية، أن التعليم يجب أن يكون الرافد الأساس لمسئوليتنا تجاه المجتمعات التي نعمل بها وأن الحصول عليه لا يجب أن يشكل تحديًا لأحد، بحيث لا يكون العائق المادي، بأي حال من الأحوال، سببًا في إيقاف الساعين نحو التفوق والتقدم والنجاح.
فالتعليم رسالة سامية ووسيلة ناجعة لمحاربة الفقر والجهل والجريمة التي أثقلت كاهل المسئولين في العالم العربي، بل هو وسيلة ناجعة لمحاربة الفساد الذي أتخم جيوب الفاسدين وقوّض مقدرات الشعوب، فالأمة المتعلمة الواعية ستجعل الوقوف في وجه الفساد وسرقة المقدرات أولوية قصوى ولن ترضى أن يحكمها مسئول فاسد متغول على أموالها دون وجه حق.
أرقام كارثية نشرها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن خطر الفساد في الدول الأقل تعليمًا، فمثلا، في الفترة ما بين عامي 2000 و2009 تكبّدت تلك الدول خسارة فادحة، تمثلت بضياع أكثر من ثمانية تريليونات دولار بسبب الفساد والرشاوي والتدفقات المالية غير المشروعة، وهذا الرقم يوازي عشرة أضعاف المساعدات الأجنبية التي تتلقاها تلك الدول…!
وأيضًا، نظرة سريعة على مؤشرات الدول الأكثر فسادًا حسب مؤشر “منظمة الشفافية الدولية”، والأسوأ في قطاع التعليم حسب مؤشر “دافوس لجودة التعليم” تجد أن هناك مقاربة واضحة من السهل استقراءها والاستدلال بها. دولة عربية مثل موريتانيا والتي تقع في المرتبة 137عالميًا في مؤشر محاربة الفساد تحتل المرتبة ال 134 عالميًا في تراجع جودة التعليم…،
وشعورًا بالمسئولية تجاه المجتمعات التي نعمل بها والمجتمعات العربية المجاورة، فإننا نضع في “نوبلز” أولوية قصوى لدعم الجميع في الحصول على التعليم، بل نعتبره حقًا أصيلًا لأبنائنا الطلاب وواجبًا علينا تجاههم، ونولي أهمية كبرى للدعم في جميع القطاعات وخصوصًا التعليم التكنولوجي الذي نعتبره أهم ركائز العمل في الوقت الحديث، إذ يفتح مجالات ضخمة للشباب المبدع في العالم العربي للعمل في كبرى الشركات العالمية، وهذا ما تنبهنا إليه جيدًا في مشاريع المنح الأخيرة عبر ترشيح عشرات الطلاب لمواصلة دراستهم في تخصصات تكنولوجية بجامعة الحسين التقنية في الأردن.
وأيضًا، نستثمر كل فرصة ممكنة لدعوة الحكومات العربية لأن يكون التعليم أولوية قصوى، ولرفع ميزانيات التعليم وجعلها الملف الأهم في أجندة السياسيين العرب، فكثير من دول العالم مثل سنغافورة وماليزيا، انتقلت من ذيل الأمم وأصبحت، عبر التعليم الجاد والبحث العلمي الأصيل، من أهم الدول المتقدمة، ومن الدول الرائدة في الصناعات الإلكترونية الدقيقة والصناعات الثقيلة.
من المؤسف حقًا حين نجد أن عدد سكان العالم العربي لا يتجاوز خمسة بالمائة من سكان العالم، ومع ذلك، فإن الدول العربية تشتري خمسين بالمائة من سلاح العالم، وأيضًا زادت نسبة صادرات الأسلحة إلى الدول العربية بنسبة 25٪ في الفترة ما بين 2011-2015، ناهيك عن تواجد خمسين بالمائة من خبراء الأسلحة الأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط. يأتي هذا في ظل ميزانيات محدودة وغير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة لمؤسسات التعليم العالي في المناطق العربية وفي ظل أرقام بائسة لجودة التعليم، فحسب دراسة لمعهد بروكنجز، فإن 56٪ من طلاب التعليم الابتدائي العرب و 48٪ من تلاميذ المرحلة الإعدادية لا يتعلمون المهارات الأساسية في المدرسة؛ وهذا يكشف عن سبب مهم وراء معدلات التسرب في المدارس الإعدادية.
كنت أتمنى أن تولي الدول العربية اهتمامًا أكبر للعلم والتكنولوجيا وتشتري خمسين بالمائة من تكنولوجيا وتقنيات وأبحاث العالم، علّها تشكل فرصة حقيقية للارتقاء والنهوض، وهنا، فإن السلطات أمام مسئولية لمشاركة القطاع الخاص في إصلاح جودة التعليم لتطوير قدرة أبنائنا الطلاب على التنافس في عالم تقوده التكنولوجيا، في عالم بلغ من التعقيدات ما جعل حوالي 60٪ من الرؤساء التنفيذيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعتقدون أن أنظمة التعليم لا تزود الطلاب بالمهارات المناسبة للتوظيف، وذلك حسب دراسة لمجموعة PwC للخدمات المهنية والمحاسبية.
وفي هذا المقام، فإنني أحمل رسالة للزملاء والأصدقاء من رجال الأعمال أن يكون التعليم أولوية دائمًا في المشاريع التي يدعمونها، وإن كنت مقدمًا نصيحة شخصية لهم فإنني أجزم أن العمل الخيري عمومًا، والمشاريع التربوية التعليمية على وجه الخصوص، هي من أهم أسباب البركة في الرزق والتقدم والتطور في العمل، وعلى يقين أن كل دينار أو دولار ننفقه كرجال أعمال في التعليم سيعوضنا الله سبحانه وتعالى أضعافًا مضاعفة.
أذكر أن أحد أجمل المشاعر التي عشتها في حياتي هي تلك اللحظة التي قررنا فيها في “نوبلز” تبني الطفل اليمني المبدع مشير الحزمي، وهو الطفل الذي رأيته مصادفة على تلفزيون ال BBC وقررت منذ اللحظة الأولى أن علينا دعم موهبته وتطويره علميًا ليصل إلى العالمية، لم أسأل عن توجهه ولا أيديولوجيته ولا جنسيته، ما أردته هو أن تتحول تلك الطاقة الكبيرة التي يمتلكها هذا الفتى اليمني النجيب إلى مشاريع ومنجزات حقيقية، علَّ الله أن يوفقه ليكون أحد القادة المخلصين الذين يبنون اليمن الجديد في المستقبل القريب إن شاء الله.
لذلك، قطعنا على أنفسنا عهدًا في “نوبلز” أن مشير لن يكون الأخير وأن تستمر رسالتنا الرامية لدعم الطلاب الموهوبين في المجتمعات التي نعمل بها والمجتمعات العربية المجاورة والتي تعاني من ظلمات الفقر والجهل والجريمة والفساد. وبفضل الله، وصلنا إلى أرقام كبيرة في هذا المضمار، فقد ناهز عدد المنح التي قدمناها في “نوبلز” لأبنائنا الطلاب منذ انطلاق برنامج المنح قبل ستة أعوام ال 1200 منحة، حيث نقدم 200 منحة سنويًا لطلابنا الموزعين على جامعات في أحد عشرة دولة حول العالم.
وأخيرًا، رسالتي إلى الشباب العربي الطموح ألا ييأس ولا يستسلم، اجعلوا حدّ طموحكم السماء، وانظروا دومًا إلى مكامن القوة في أنفسكم، وباشروا بالتركيز عليها وتنميتها وتطويرها، وكما ذكرت، لن ترقى مجتمعاتنا إلا بالعلم والمعرفة، ولن نحارب الجهل والجريمة والفساد إلا بكم ومعكم، بشهاداتكم ونظرياتكم واكتشافاتكم العلمية الخلاقة، وما تتركوه للبشرية من علم نافع ومعرفة قويمة…،
omar ayesh © 2021