
الشراكات في عالم الأعمال: محددات النجاح والاستمرارية
منذ قديم الأزل، ومنذ أن خلق الله البسيطة، والإنسان يبحث له عن شريك، يقاسمه أفكاره ويشاركه همومه ويكمل النواقص لديه، بل ويعزز من نجاحاته وإبداعه، فكانت أمُّنا حواء الشريك الأعظم لأبينا وسيدنا آدم عليه السلام، حتى تعينه، بتلك الشراكة، على رسالة الاستخلاف في الأرض وإعمارها، الرسالة التي عجز عنها الملائكة وتصدر لها الإنسان بكل شجاعة ومسئولية.
بدأ الإنسان عمارة الأرض بالفلاحة والزراعة والصيد، ثم احتاج لمبادلة ما ينتج من الزراعة والصيد وتربية المواشي، أو ما بات يعرف لاحقًا بمفهوم “المقايضة”، قبل أن يتطور الأمر إلى تجارة ورحلات تجارية بين المدن والممالك والقارات، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن بعد ظهور مبدأ الاستثمار، الذي يرتكز أساسًا على الشراكات التجارية والعمل ضمن فريق كبير من المستثمرين والشركاء والموظفين.
ولما باتت الحاجة إلى الشراكات التجارية أمرًا لا مفر منه في عالم الأعمال، أصبح من الضروري الحديث عن محددات نجاح واستمرارية تلك الشراكات، خصوصًا أنني أشارك خبرات وتجارب ثلاثة عقود من العمل ضمن عدة شركات ومشاريع استثمارية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، حققنا عبر هذه المشاريع كثيرًا من النجاحات وتعرضنا أيضًا لمجموعة من الإخفاقات.
يقول ستيف جوبز، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أبل، عملاق الهواتف الذكية والإلكترونيات: “إن الإنجازات العظيمة في عالم الأعمال يقف خلفها فريق من المبدعين ومن المستحيل أن يقوم بها فرد واحد…،”
لذلك، فإنني سأركز الحديث في هذا المقال على مجموعة من المحددات التي لا تدعم نجاح الشراكات في عالم الأعمال فحسب بل تجعلها أكثر صلابة واستمرارية وأهم هذه المحددات: التوافق وضمان القيمة المضافة عند الشريك المحتمل وتحديد المهام بشكل مسبق والفصل بين العلاقات المهنية والتجارية وأخيرًا إلزامية وضرورة التوثيق.
فالشراكة في عالم الأعمال تشبه كثيرا شراكة الزواج، لذلك فإن معرفة ماضي الشريك وتاريخه وأخلاقه وخصوصا أمانته من أهم محددات اختيار الشريك المناسب للوصول إلى التوافق المنشود، الذي هو أول المحددات لنجاح الشراكات واستمراريتها.
والمقصود بالتوافق، هو أن يتكامل الشركاء في الأفكار والرؤية والأهداف، فتجربة الشريك المحتمل مع شريكه السابق قابلة للتكرار، وبنفس التفاصيل أحيانًا، فمهما كثرت خبراته ومميزاته فهي لا تساوي شيئا إذا غابت أخلاقه وخصوصًا الأمانة، التي هي بلا شك عصب التجارة الأخلاقية وعماد بناء الثقة واستمراريتها. في دراسة منشورة على الموقع المختص ب “دراسات وإحصاءات السوق” المعروف ب AYTM، قال 85 بالمائة من المستطلَعين أنهم، بصفتهم مستهلكين، على استعداد تام لدعم وتسويق العلامات التجارية التي يشعرون أنّ صنّاعها يتعاملون معهم ب “أمانة عالية”، بالطبع، فالأمانة مع الزبون هي انعكاس لثقافة الأمانة والشفافية في بيئة العمل وبين الشركاء.
ثانيًا والأهم، هو وجود القيمة المضافة عند الشريك المحتمل، وحدها تلك القيمة التي تأذن للشراكة بالنمو والاستمرار. فالقيمة المضافة عند الشريك المحتمل هو مزيج من الخبرات بين الشركاء والتي أرى أنها أكثر ما يعزز نجاح الشراكات في عالم الأعمال ويحقق التكامل فيما بينها، فمثلًا، قد يتميز شريك بامتلاك قدرات إبداعية في التسويق والمبيعات والعلاقات العامة ويتميز الآخر بخبراته في الأمور الفنية والتقنية وشريك ثالث بالتجارة الإلكترونية وغيرها…، لذلك على الشريك أن يبحث بعناية عمّن يملك تلك القيمة لتعزيز عنصر التوافق والتكامل بين الشركاء وضمان الاستمرارية المنشودة.
وأيضًا، هناك حاجة ماسة لتحديد المهام بين الشركاء، فهذا المبدأ، الذي أضعه ثالثًا، يرقى لأن يكون من أهم المحددات لنجاح الشراكات في عالم التجارة والمال. فتحديد المهام يبدأ بالاتفاق على آلية اتخاذ القرار وتحديد مهام كل شريك وصلاحياته ومسئولياته بالتفصيل.
ولمعرفة كيف تكون المهام واضحة ومحددة منذ البداية وعلى أي أساس، فإنني أؤكد أن توزيع المهام والمسئوليات يكون حسب المهارة أو القيمة المضافة لكل شريك كما ذكرنا، تلك الخطوة من شأنها أن تجنّب الشركة المشاكل والخلافات التي قد تعصف بالشركة وتهدد بقاءها عند حصول الربح الوفير أو الوقوع في مطب الخسارة.
ورابعًا، ضرورة الفصل الكامل بين العلاقات الشخصية والمهنية في الشراكات، يقول الكاتب بول برونزويك، مؤلف مشارك لكتاب “نحو بناء تحالفات استراتيجية قوية”، أن ما يقرب من 70 بالمائة من الشراكات تنتهي بالخلاف والانفصال بين الشركاء، وإذا كان الشريك صديق أو قريب، فالمشاكل الناتجة عن الشراكة غالبًا ما تنتهي بالقطيعة الكاملة.
المحدد الخامس هو ضرورة التوثيق الدائم للاتفاقات والقرارات، على أن يكون التوثيق بشكل مكتوب ومحفوظ في نسخة في الشركة وعند كل شريك من الشركاء، فهذا سبب جوهري لنجاح العلاقة بين الشركاء.
في المقابل، هناك ضرورة لوجود آليات واضحة وسليمة للتخارج بين الشركاء، بحيث تكون موثقة ومنصوص عليها أيضًا، وشفافة كأنما ستحدث عملية التخارج غدًا، وذلك حتى يستوفي كل شريك حقوقه كاملة في حال التخارج، دون الوقوع في شرك الخلافات والمشاكل.
عدم وجود آليات واضحة للتخارج بين الشركاء يزيد من تعقيدات المشهد عند حدوث الخلافات والوصول إلى نقطة اللاعودة، فالخلافات تضرب الشركاء عادة عند حصول خسائر كبيرة أو عند تحقيق أرباح كبيرة، ففي حالة الخسارة يمكن أن يلوم أحدهما الآخر ويسعى كل شريك للتنصل من أسباب الخسارة، وفي حال الربح الكبير، قد يطمع أحدهما في الآخر كما حصل معي في شركة “تعمير”.
المحددات الخمس التي ذكرت تكاد تشكل دستورًا لبقاء الثقة وتعزيزها بين الشركاء، حتى في أحلك الظروف التي تمر بها الشركة، وأرى أن الالتزام بها يعزز نجاح العلاقة بين الشركاء والمساهمين ويحد من فرص الخلاف، الذي قد يعصف بالشركة ويقودها إلى الانهيار.
omar ayesh © 2021